أنا خذلتني!
عزيزي خالد
الحقيقة تقول أن الكتابة دائما ما تكون سهلة طالما أنها غير مطلوبة منك أو بمعنى أدق.. طالما أنك لم تضعها لنفسك كالتزام.. و بمجرد أن تدخل في حيز المسؤولية تجدها من أصعب ما يكون.. يكفي أن يأتي بخاطرك أتيان موعد جلوسك للكتابة فتبدأ الأفكار.. عن ماذا أكتب؟ كيف كنت أكتب؟ لماذا تخرج مني الجمل ثقيلة لزجة كمولود يحتاج لإنعاش؟ عن ماذا أكتب (مرة أخرى)؟ هل ما أكتبه سينال اهتمام أي شخص؟.. من لا يزال يقرأ أصلاً؟ إلخ
قائمة طويلة من الأسئلة تجعل "قعدة" الكتابة أكثر توتراً من "قعدة" مذاكرة ثانوية عامة! و تجعل قائمة أنشطتك المنزلية المؤجلة أولوية حرجة وملفات يجب البت فيها الآن!
"بقالي كتير مكلمتش خالتو" "محتاج أركب مدخنة جديدة للسخان" "الفريزر دة محتاج يتنضف" المهم.. الا أكتب!
هل هذه هي المشكلة؟ لو اقتصرنا على هذا الأمر فستجد أن الإجابة الواضحة موجودة بالفعل في كتاب War Of Art للزميل العزيز Steven Pressfield.. والذي أرجع كل ذلك لفكرة المقاومة.. وهي القوة الداخلية التي تمنعك من الخروج من منطقة الأمان.. ولكن المشكلة ليست هنا!
المشكلة يا صديقي أن هذا الشعور لا ينتابني تماماً مع دخول Brief جديد لإعلان.. أو مع جلوسي لكتابة script لفيلم أو فيديو دعائي لإحدى الشركات! حتى أن كتابة فيلم أو مسلسل وهو مطلوب بالفعل من شركة إنتاج (كتابة تحت الطلب) هو أسهل بكثير من البدأ في كتابة عمل يمثل حماساً لي! مع العلم أن درجة الاستمتاع المرتبطة بمثل هذه المهام لا تقارن بمدى استمتاعي أثناء التعبير عن فكرة شخصية تدور بداخلي.
وقد كان السؤال.. لماذا؟ لماذا كتابة موضوع خاص بالعمل مهما كانت صعوبته أو تعقيداته يعتبر أكثر سلاسة من التعبير عما بداخلي؟!
وبعد تفكير طويل و مجهود مضني لمحاولة فهم وفك لعبكة ما يدور بالداخل أعتقد أني توصلت لبعض الاستنتاجات.. خد عندك
أولا: صحيح أن كلاهما كتابة.. لكني اكتشفت أنهما لا يخرجان من نفس المنطقة في المخ!.. فكتابتي للعمل تخرج من منطقة الحرفة.. مهارة مارستها على مدار سنوات و أصبحت استأجرها مقابل بعض المال الضروري لمتطلبات الحياة.. "أكتب لتقنع الناس بضرورة زيارة عيادتي بدلاً من عيادات المنافسين" "أكتب ليقتنع الناس بأن صابون X هو الصابون رقم واحد للأغراض المنزلية" "أكتب لإقناع الأمهات أن هذا الشيبسي صحي للأطفال!"
صحيح مرة أخرى أنها كتابة لكنها كتابة لا تخرج من القلب.. بل من العقل.. وهذا ليس قصوراً مني ولكنها طبيعة العمل.. فمن المستحيل أن أكتب عن الشيبسي أو الصابون أو مركز طبي و أنا مقتنع أنه الأفضل على الإطلاق في حين أنني قد أكتب للمنافس في اليوم التالي!
ثانياً وهو الأهم أنه بمجرد أن تتسلل لي روح المرقعة والتلكؤ في أداء مهمة مرتبطة بعمل أتذكر تلقائياً الاجتماع التالي.. هل يمكن أن أدخل و أقف بجوار ال Projector مبتسماً قائلاً "كسلت والله أشتغل على الأفكار" أو "فكرت كتير بس مطلعتش بحاجة"؟
مستحيل!
وقتها لو كان من حولي رحيمين مهذبين سيسمعونني "ربع زفارة ودن" والذي سيكون كافياً لقضاء بقية مدة الاجتماع في حمام الشركة أبكي على سيرة أفراد عائلتي اللي اتمسح بيها باركيه ال Meeting Room!
هذا بجانب التفكير في البحث عن فرصة عمل جديدة وضرورة تحديث ال Portfolio و ال CV وحساب كيف يمكنني سداد فواتيري حتى أجد مصدر دخل جديد!
أفكار مجرد مرورها بخيالك كافي لإجبارك على الجلوس أمام اللاب توب للخروج بمُعلقة تهجو فيها المتنبي شخصياً!
باختصار.. من الصعب أن تخذل من حولك.. لكن خد عندك.. دلوقتي أنا قررت أكتب مقالة أسبوعية أو فيلم أنا متحمس لقصته.. وبدأت و خططت و قلت "بكرة هبدأ" ثم جاء بكرة و قررت ألا أبدأ.. هل سيحدث شيء؟!
على المدى القصير فخذلان من حولك قد يكون مؤذي بل قد يكون بشع!.. لكن ما هو أكثر بشاعة على المدى البعيد هو خذلان نفسك.. ستقف يوماً أمام المرآة و ترى مشروعاتك المؤجلة تبتسم خلف قسمات و تجاعيد وجهك.. لا تعرف كيف مرت عليهما كل تلك السنوات بينما تقف أنت مكتوف اليدين وتقول لنفسك "أنا خذلتني"
عزيزي خالد.. أعرف أن الأمر ليس بهذه السهولة.. ولكن ما لا يُدرك كله لا يُترك كله.. ولو كنت تنتظر الوقت المناسب.. فما أضمنه لك أن الوقت لن يكون مناسباً أبداً.. كل ما عليك أن تأخذ ولو خطوة.. وبعد ذلك "الشغل بيجيب شغل"
إيه دة.. شوفت أنت خلصت كتابة إزاي؟ قعدت تقولي أنا ورطت نفسي و مفيش حاجة أقولها..
أديك خلصت كتابة أهو و وشك نور.. نتقابل الأسبوع الجاي
#مش_أكل_عيش
Comments
Post a Comment