"عزيزي خالد.. محدش بيجري وراك"
"عزيزي خالد.. محدش بيجري وراك"
عزيزي القاريء.. إذا كنت من المغفلين أمثالي الذين صُدرت لهم فكرة وهمية تقول "إنه لتحقيق الأهداف deadline" و أنك يجب أن تكون قد وصلت لكذا و كذا قبل سن معينة.. فتعالى جنب أخوك.. هذا المقال لي قبل أن يكون لك.
*********************************************************
في جلسة أشرقت علينا فيها شمس يوم رمضاني جديد و نحن لازلنا منهمكين في العمل على مونتاج أحد الإعلانات من الليلة السابقة.. و بينما يسود الصمت أرجاء المكان.. كسر صديقنا المونتير جدار هذا الصمت و قال "أنا لازم قبل ما أتم 30 سنة أكون أخرجت أول فيلم لية"
قالها ثم صمت.. و في الواقع لم يكن الوقت أو المزاج المعكر بفعل نقص الكافيين و النيكوتين مناسبان للدخول في نقاش حول ملابسات هذا القرار.. فمرت هذه الكلمة مرور الكرام.. و لكن ما قاله صديقي كان بمثابة مرآة لكل الحماقات المشابهة التي كنت إما أصرح بها كما فعل هو أو أتركها تحرقني بدون أنين.
ملحوظة.. بمرور الوقت تدرك أن أعقد صراعات الحياة تلك التي تبدأ و تنتهي بداخلك.
الأزمة يا صديقي أن هذه الفكرة أو هذا النمط من التفكير بشكل عام يجعلنا ممن يعيشون في الحياة لاهثين خلف شيءٍ ما واهمين أنه بمجرد الوصول إليه سنحقق السعادة و الرضا المطلقين.. كما أنه يضعك في صراع بين ندمك على الفرص التي تظن أنك قد أضعتها في الماضي و خوفك من المستقبل الضبابي غير واضح المعالم.. و يفسد عليك تماماً الاستمتاع بما وصلت إليه حتى الآن.
و الأمر لا يتلخص فقط في الطريقة المؤذية التي تخاطب بها نفسك و تنعكس على تقديرك لذاتك.. أضف إلى ذلك أن ال Social media بمختلف منصاتها لعبت دوراً كبيراً في تغذية و تعزيز هذه الفكرة.
على مدار مئات بل آلاف السنين.. كانت مصادر أخبارنا عمن حولنا محدودة جداً إذا ما قورنت بما نحن فيه الآن.. فإذا كنت ممن عاشوا شبابهم في التسعينيات وهي فترة ليست بالبعيدة قد تلتقي بالصدفة البحتة أحد زملاء الجامعة في الأتوبيس ليخبرك أنه قد تم تعيينه في إحدى الشركات.. أو قد تسمعي أخبار عن زميلتك التي بدأت للتو دورة لتعلم لغة جديدة في مكالمة تليفون مع صديقة مشتركة.
فما بالك وأنت تشاهد "كل يوم على غيار الريق" إنجازات عشرات الأشخاص من أصدقائك تزين حساباتهم على فيسبوك؟!
و حتى إن لم يكن واقع هذه الشخصيات الفعلي مختلفاً عن واقعك بكثير (إن لم يكن أسوأ منه.. لأن واقع ال social media خداع).. فقد يتسلل لك الإحباط دون أن تدري.. و هذا طبيعي.. لأن عقولنا لم تتطور بعد لتصل إلى المرونة التي تمكنك من التعامل الأمثل مع هذا السيل من الأخبار.
أفكار مثل "مليونيرات تحت سن الثلاثين" و قصص نجاح بيل جيتس و إلون ماسك و مارك زوكربرج و ستيف جوبس إلى آخر القائمة المُستَهلكة هي قصص مضللة موترة ضاغطة للأعصاب.. ولا أراها محفزة على الإطلاق..كما أنها استثناء يؤكد القاعدة.. فلو كان الأمر طبيعياً فلن يكون لقصصهم قيمة.. و ليس مطلوباً مننا أن نلبي دعوة صناع إعلان بنك مصر لتبني فكرة أننا جميعاً استثنائيون.. أنت كحيان يا محمد.
توضيح.. لا تفهم من كلامي أنه دعوة للتخاذل و عدم الاكتراث.. فلو تقدم بك العمر بينما أنت بعيد كل البعد عن أخذ أي خطوة فعلية حتى لو كانت بسيطة في طريق ما تسعى إليه.. فهذا مؤشر و نذير لك أنك في حاجة للمزيد من التركيز و الانتباه.
لا أزعم إطلاقاً أنني تخطيت هذه المرحلة.. ولا أريد أن أقع في فخ التنمية البشرية و جو ال life coaching.. و لكن ما أظنه أنني قد توصلت إلى شبه قناعة مفادها "إنه محدش بيجري وراك" وإن "ربك لما يريد أحلامنا هتتحقق" لأن وصولك المبكر لبعض الأهداف قد يكون سبباً في إضاعتها منك.. أو دعونا نقول أنه قد يكون سبباً في عدم تحقيقك للاستفادة القصوى منها.. إما لنقص الخبرة.. أو عدم استعدادك النفسي لتحمل تبعاتها.
Comments
Post a Comment