الكاتب مش ملزم!
لو أنت حد بيشتغل في ال Creative Industry سواء بتكتب.. بتصور.. بتلحن.. إلخ.. فهتلاقي دايماً في حالة من الحسد المبطن من اللي حوليك تجاهك.. و رغبة من كتير منهم إنهم يكونوا مكانك.
بتبدأ تسمع كلام من نوعية "يعني أنت بتكتب و بيدوك فلوس على الكلام دة؟" "يا بختك.. كفاية إن شغلتك هي الحاجة اللي أنت بتحبها."
و في حقيقة الأمر.. دة في جزء كبير من الصحة.. وإن ربنا ينعم عليك إن هوايتك تكون هي شغلتك فدي نعمة كبيرة أوي.. و لكنها زيها زي أي نعمة.. بتديك كتير.. بس ليها ضرايب.
تعالو نرجع مع بعض كدة لكام سنة ورا.. من كتير.. نفتكر مع بعض اللحظات الأولى اللي قررنا نشتغل فيها مبدعين.. وقتها يمكن مكناش فاهمين أو مستوعبين إننا عاوزين نعمل دة.. أنا شخصياً الموضوع بدأ معايا من غير ما أكون فاهم.. فجأة لقيت نفسي ببقى مبسوط و أنا يكتب.. و بقيت مبنزلش حصة الألعاب أو ال PE كما أقر الغزو الطبقي.. و أقعد في الفصل أكتب.. أتكلم في إذاعة المدرسة.. أسرح في قراءة رواية بدل ما أركز في مذاكرتي.. وندهتني النداهة.
بعدها المسار الطبيعي إنك بتكون نفسك تكتب و حد بس يشوف شغلك و يقيمه.. و بعدها بتبدأ تكون طماع أكتر.. نفسي أشتغل في مؤسسة.. و بعدها مؤسسة كبيرة.. و بتكون لحظة متتوصفش لما يتطلب منك شغل لأول مرة.. بتحس بالاعتراف.. أنا كاتب.. وبعدها يتطلب منك شغل تاني و تالت.. و هنا الرغبة النقية الوردية جواك بتبدي ييجي عليها شوية تراب.
تبدأ تتأفف.. أنا شغال.. محتاج آخد فلوس.. و تبدأ تاخد فلوس.. فتحس بعدها بفترة إنك محتاج تاخد فلوس أكتر.. و فعلاً تبدأ تاخد فلوس أكتر.
لحد اللحظة.. اللي أنا فيها دلوقتي.. وعشان كدة قررت أشاركها معاكم.. و هي إنك مجبر تكتب.. عشان ملتزم بميعاد تسليم.
عارف مين أصعب مدير ممكن تكون ملتزم قدامه بتسليم شغل؟
نفسك..
ممكن متصدقنيش.. بس إنك تسلم شغل أنت قابض فلوس عليه و في منتج أو مخرج أو حتى Client مستنيه دة أسهل ألف مرة من إنك تكون ملتزم قدام نفسك بكتابة مقالة يومية أو رواية أو سيناريو فيلم أو حلقة لمشروع يخصك.
لأنك هنا بتكون اللي بيدي الأوامر.. و كمان بيدي الأعذار!! أنت بنفسك تقول لازم أكون مخلص على النهاردة بليل سكريبت الحلقة الجديدة.. أو محتاج أبدأ شغل على معالجة الفيلم الجديد و أنت برضه اللي تقول لنفسك.. إحنا محتاجين نستريح و ناخد هدنة.. لأ أنت مصدع.. أنت Burn Out.. أنت لازم تفصل.. بقالك كتير مكلمتش خالك.. قوم اتصل بيه.. ما تفتح تطبيق كارفور كدة تشوف في خصومات على مكرونة إيطاليانو ولا لا؟ إحنا نقوم نعمل قهوة.. إحنا نريح ساعتين و نصحى فايقين.. و تستمر قائمة الأعذار التي لا تنتهي و اللي في ختام كل يوم متخرجش منها بحق ولا باطل!
طيب دي طبقة من الصعوبة.. عارف الأصعب بيكون إيه بقى؟
لما تكون داخل على العيد وفي تجمع عائلي و أنت مضطر تقعد تكتب.. أو لما صحابك اللي واحشينك يتصلوا بيك ويقولولك يلا ننزل و أنت ملزم تخلص اللي وراك فتقولوهم بكل انكسار.. مش هينفع.. عندي كتابة! بيكون الأمر مماثل للطالب اللي جايب ملحق و مضطر يطلع مع أهله المصيف و يسيبوه يذاكر و ينزلوا كل يوم من غيره.
رحلة تحول الكتابة من منطقة الشغف و النشوة مع الانتهاء من كل عمل بتكتبه إلى منطقة الالتزام هي رحلة قاسية جداً.. اشبه بالجواز و رحلته من بداية "روحت ولا لسة؟ طب اتعشيت ولا لسة؟"
لمرحلة إنك بعد الجواز تنام من غير عشا!
طبعاً الأمر يسري على كل المنتجات الإبداعية التانية.. لكني بخص الكتابة لأنها معاناتي.
الكتابة بتكون في منتهي السهولة و اليسر طول ما هي مش مطلوبة منك.. طول ما أنت مش ملزم.. لكن بمجرد ما بتدخل منطقة الألزام بتبقى رايح تقعد على مكتبك و أنت مضروب بالجزمة.. لكنك مضطر.. لأنك ملتزم قدام نفسك.
ضيف بقى على كل المصاعب دي.. صعوبة لما تكون ملتزم قدام قاريء أو مشاهد أو مستمع.. شيء في منتهى الصعوبة.. و في حالتي أنا بالذات مبقتش شايف إني أملك رفاهية التكاسل أو إبداء أي أعذار.. لقد نفذ رصيدك
مش حابب أطول عليكم.. لسة خارجين من العيد.. و في اللي لسة بيعيدوا.. لكني في رأيي إنه خير ختام هو كلام مرسي جميل عزيز على لسان أم كلثوم في رائعة سيرة الحب لما قال
"نتعب آه نغلب آه نشتكي منه لكن بنحب"
Comments
Post a Comment