مش أكل عيش


عزيزي القارئ الذي لا أعرفه.. ولكني أعلم أنه موجود في مكان ما..


اسمحلي اصطنع بعض الأهمية و أقولك.. وحشتني.. بقالنا كتير متكلمناش مع بعض.. لا من خلال البودكاست ولا من خلال بوست أو مقال أو أي وسيلة تسمحلي لي بمشاركتك ما يدور في بالي.. وخليني اتمادى في اصطناع الأهمية و أقولك أنا عارف إني مقصر معاك.. على أساس إنك فاضيلي.


الحقيقة يا عزيزي فأنا أكتب لك الآن لهدف أناني بحت.. أقرب لهدف الشاب الهورني الذي تنفرد به وحشة ليالي السنجلة فيقرر جس نبض الإكس طمعاً في استرجاع طعم الأيام الخوالي.. ليبدأ كلامه ب"جيتي على بالي فحبيت اتطمن عليكي!"


ملحوظة: يتناسب معدل التلزيق و الصهد في كلام الشاب طردياً مع حرارة صورة البروفايل الجديدة للإكس


أكتب إليك يا عزيزي حتى لا انفجر.. ساعات أحاول فيها النوم ولكن بلا جدوى.. حتى أن حبوب الميلاتونين التي لا تفارق كومودينو سريري فشلت في السيطرة على الموقف.. لدرجة أن الأسئلة تحولت من مجرد أفكار مزعجة في رأسي لهولوجرامات تملأ الغرفة.


أسئلة و أصوات تتلخص في محاولات لزرع الإحباط والشك في كل الخطوات المتخذة في مساري المهني منذ دخولي للكلية حتى الآن.. شك في مهاراتي وقدراتي.. شك في حجم ما حققته من إنجازات.. قائمة ممتدة من التقريع أو البستفة و التقطيم كانت كافية لتلقي بي حتماً من بلكونة شقتي الجديدة.. أيوة نقلت.. باركلي.. هبقى احكيلك.. سيبني بس أكمل.


واحدة من المهارات التي حباني ومن الله علي بها هي قدرتي على التواصل مع أصوات عقلي المزعجة.. وتفكيك لعبكتها لخيوط واضحة يمكن التعامل مع كل منها على حدى.. ليس الأمر دائماً بهذه السهولة.. لكنها مهارة اعتز بها حتى أنني اعتبرها Super Power مفيدة في عملي و في التعامل مع شخصية مرهقة مثلي.


بالفعل لم يكن التعامل مع أصوات عقلي في تلك المرة سهلاً بالمرة.. فقد انتبهت أنها كانت ملازمة لي طيلة الأشهر الماضية.. أخذت تتسلل و تتغلغل بداخلي حتى تملكتني.. لم أقاوم فيما سبق لأني كنت أقرب للثور المربوط متغمي في ساقية.. و لكن خلاص.. العجل هد المصطبة!.. و سأحكي لك كل شيء في الوقت المناسب.


ولكن باختصار حتى لا أطيل عليك يا عزيزي القارئ.. والذي أشك إنك لا زلت معي حتى هذه الفقرة فأنا أعاني من احتقان و كبت.. فكري.. فقدراتي الإبداعية أصبحت كلها مسخرة لأكل العيش.. وصوتي الداخلي لا يجد منفذاً له.. وللحق.. هذا الذنب لا يتحمله أحد.. ولا حتى أنا.. و لكني كأي شاب في مقتبل حياته مهما كانت مهنته فقد أرهقني الجري ورا أكل العيش الذي أصبح توست و بيتي بان و فرينش باجت.


صحيح هي مستورة والحمد لله ولكن كل ما حولي يدفعني تجاه الضغط النفسي.. ولا أعتقد أني وحيد في تلك الحفرة.. فنحن أبناء الطبقة المتوسطة ممن استثمر آباؤنا في تعليمنا و ليس في دوبلكسات التجمع أو في زايد أصبحنا في ضغط كبير.. فلم يعد إنجازاً أن تجمع أكثر من ربع مليون جنيه لشراء سيارة مستعملة متواضعة.. ولم يعد إنجازاً أن تكون قد تزوجت و أصبحت مسؤولاً عن بيت وأنت لم تتجاوز الثلاثين من عمرك! وهو أمر لو تعلمون عظيم.. كما أن شرائك لشقة عادية ليست في كمبوند شهير أصبح يدفعك لإعلان الخبر بنبرة منخفضة لا تتناسب إطلاقاً مع ضخامة الإنجاز! 


باختصار.. أصبح كل ما حولك يرفع من توقعاتك و انت مش لابس حاجة تحت أساساً. 


ولذلك قررت أن أعلن سُخطي على كل من يدفعني للدوران في الساقية و نسيان صوتي الداخلي.. أعلن سخطي على من يقول أني لو وصلت للثلاثين دون أن أحقق 1000 دولار في الشهر فأنا متخاذل.. ودعوني استعير مقولة العلامة صدفة جاد "لما أبقى آكل من تلاجة أبوكي أبقي أتكلمي" 


أكل العيش لن يتوقف.. والقاعدة الاقتصادية تقول أنك كلما أشبعت إحدى احتياجاتك فستظهر لك احتياجات جديدة.. فشقة في كومبوند سيتبعها شقة أخرى في الساحل.. و سفرية لهسيندا وايت ستتبعها بالضرورة سفرية لهسيندا ريد.. إرضاءاً لقطبي الكرة المصرية.. وموديلات ال IPhone تتغير كل عام.. والسيارات الكهربائية هي اللي جاي.. ولو ملحقتش حاجة في العاصمة أو راس الحكمة ستكون مثل جدك الذي رفض تملك حي المعادي كله ب 25 جنيه (وهي حقائق مغلوطة و غير دقيقة بالمناسبة.. فالجنيه جنيه زمنه يا صاحبي.. تحياتي للسويسي" 


وبناء على ذلك.. سأسعي جاهداً لأن أعلي صوتي بالغنا و الكتابة على الأقل.. حتى لو لم يسمح لي الوقت لتسجيل بودكاست و مونتاجه للوصول إلى شريحة أكبر.. فأنا في البداية كاتب.. هذا ما أحبه و هذا ما أريد أن أفعله.. سأستمر في أكل العيش و لكني سأعد نفسي بتوفير مساحة من التنفيس بين الحين و الآخر.. أهم ما فيها إنها "مش أكل عيش" 

Comments

Popular posts from this blog

أنا خذلتني!

على هامش فيلم Oppenheimer

سبع صنايع والبخت ضايع؟